فصل: الفصل السابع:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المدهش في المحاضرات (نسخة منقحة)



.الفصل السابع:

أخواني: ذهبت الأيام، وكتبت الآثام، وإنما ينفع الملام متيقظًا والسلام.
وعظتنا بمرها الأيام ** وارتنا مصيرنا الأرجامُ

ودعتنا المنون في سنة الغفلة ** هبوا واستيقظوا يا نيام

ليت شعري ما يتقي المرء والرامي ** له الموت والخطوب سهامُ

منهل واحد شرايعه شتى ** عليه للواردين ازدحامُ

نتحاماه ما استطعنا وتحدو ** نا إليه الشهور والأعوامُ

وإذا راعنا فقيد نسيناه ** تناسي ما راعهن السوامُ

أوقوفًا على غرور وقد زلت ** بمن كان قبلنا الأقدامُ

ووراء المصير في هذه الأجدا ** ث دار يكون فيها المقامُ

يا من صحيفته بالذنوب قد خفت، وموازينه لكثرة العيوب قد حفت، يا مستوطنًا والمزعجات قد ذفت، لا تغتر بأغصان المنى وإن أورقت ورفت، فكأنك بها قد صوحت وجفت، أما رأيت أكفًا عن مطالبها قد كفت؟ أما شاهدت عرايس الأجساد إلى الإلحاد زفت؟ أما عاينت سطور الأجسام في كتب الأرجام قد أدرجت ولفت، أما أبصرت قبور القوم؟ في رقاع بقاع القاع قد صفت، من عرف تصرف الأيام لم يغفل الاستعداد، إن قرب المنية، ليضحك من بعد الأمنية، ما جرى عبد في عنان أمله إلا عثر في الطريق بأجله.
أخواني خلفنا نتقلب في ستة أسفار، إلى أن يستقر بنا المنزل، السفر الأول، سفر السلالة من الطين، والثاني سفر النطفة من الصلب، والثالث من البطون إلى الدنيا، والرابع، من الدنيا إلى القبور، والخامس من القبور إلى العرض، والسادس إلى منزل الإقامة، فقد قطعنا نصف الطريق، وما بعد أصعب.
أخواني. السنون مراحل، والشهور فراسخ، والأيام أميال، والأنفاس خطوات، والطاعات رؤس أموال، والمعاصي قطاع الطريق، والريح الجنة، والخسران النار، لهذا الخطب شمر المتقون عن سوق الجد في سوق المعاملة، كلما رأوا مراكب الحياة تخطف في بحر العمر شغلهم هول ما هم فيه عن التنزه في عجائب البحر، فما كان إلا قليل حتى قدموا من السفر فاعتنقتهم الراحة في طريق التلقي، فدخلوا بلد الوصل وقد حازوا ربح الدهر.
المهيار:
زمّوا المطايا فدمع العين منطلق ** والقلب عان وراء الخوف مأسورُ

فلم يهبهب بأولى الزجر سائقهم ** حتى تشابك مهتوك ومستورُ

فغلّسوا من زرود وجه يومهم ** وحطّهم لظلال البان تهجيرُ

وضمنوا الليل سلعًا إذ رأوه وقد ** غنت على فتنى سلع العصافير

أملهم أقصر من فتر، منازلهم أفقر من قبر، نومهم أعز من الوفاء، السهر عندهم أحلى من رقدة الفجر، أخبارهم أرق من نسيم السحر، آماقهم بالدموع دامية، والهموم على الجوانح جوانح، لأنفسهم أنفاس، من مثلها يهيج البهيج، روض رياضتهم مطلول الخمايل، يحدث ريًّا عنهم، فالرايحة رائجة بالخير.
للمهيار:
يا سايق الأظعان إن مع الصَّبا ** خبرًا لو أنك للصبا تتوقفُ

هبّت بعارفة تسوق من الحمى ** أرجًا بريّا أهله يتعرّفُ

خذ حديث القوم جملة واقنع بالعنوان، كواكب هممهم في بروج عزائمهم، سيارة. ليس فيها زحل، ناموا في الدجى على مهاد القلق، فلما جن الليل. جن الحذر، فاستيقظت عين. ما تهنأت بطعم الرقاد.
كفى سائقًا بالشوق بين الأضالع ** لهيب اشتياق ثم فيض مدامع

فركبوا عيس القصد، وركبوا الجادة، فلما غنت الحداة، رنت الفلاة، فأعربت أبيات الشعر، عن أبيات الشعر، فعصفت رياح الزفرات من قلب المشوق، فانقلع شكر الدمع، فلو رأيت وَكْفَ شؤونهم قلت قد انقطع شريان الغمام، هذا. يعاتب نفسه على التقصير، وهذا يتفكر في هول المصير، وهذا يخاف من ناقد بصير، منازل تعبدهم متناوحة، وفي كل بيت منهم نايحة، تائبهم أبكى من متمم، ومحبهم أتيم من مرقش، ومشتاقهم أقلق من قيس، وكلهم قد بات بليل النابغة التائب يقول أنا المقر على نفسي بالخيانة، أنا الشاهد عليها بالجناية.
اعف عني واقلني عن عثرتي ** يا عتادي لملمات الزمن

لا تعاقبني فقد عاقبني ** ندم أقلق روحي في البدن

لا تطير وسنًا عن مقلتي ** أنت أهديت لها حلو الوسن

يا حبيبي بلسان العربي ** ولسان الفارسي يا دوست من

والمتعبد يبكي على الفتور بكاء الثكلى بين القبور، ويندب زمان الوصال ويتأسف على تغير الحال.
قد كان لي مشرب يصفو برؤيتكم فكدرته يد الأيام حين صفا.
والخائف ينادي ليت شعري ما الذي أسقطني من عينك؟ قلت: {هذا فراق بيني وبينك}؟.
لأية علة ولأي حال ** صرمت حبال وصلك عن حبالي

وعوضت البعاد من التداني ** ومر الهجر من حلو الوصال

فإن أك قد جنيت عليك ذنبًا ** ولم أشعر بقول أو فعال

فعاقبني عليه بأي شيء ** أردت سوى الصدود فما أبالي

وصريع المحبة يستغيث وينادي، حتى أقلق الحاضر والبادي.
تحمل أصحابي ولم يجدوا وجدي ** وللناس أشجان ولي شجن وحدي

أحبكم ما دمت حيًا وإن أمت ** فواكبدي من ذا يحبكم بعدي

وقتيل الشوق يتعلق بما يرى، ويتشبث بما يسمع، يرتاح إلى السهر ومقصوده غيره، وإلى الشجر ومغنين طيره.
للمهيار:
أيا بانة الغور عطفًا شُفيت ** وإن كنتُ أكني وأعني سواكِ

أحبكِ من أجل من تعلمين ** لو أني أراه كما قد أراكِ

ذكرت ويا لهفي هل نسيتُ ** لياليَ أسمرُها في ذراكِ

كفى الوجد أني إذا ما استرحت ** إلى اسمك عمّيتُه بالأراكِ

إذا الصد أرضاكِ فهو الوصال ** فإني فعلت فأهلًا بذاكِ

.الفصل الثامن:

الشهوات تغر وتعر، وتمر عيش العواقب وتمر، وتبكي عين الندم أضعاف ما تسر، ألا يقظ؟ ألا حذر؟ ألا حر؟
هل الدهر إلا ما عرفنا وأدركنا ** فجايعه تبقى ولذاته تفنى

إذا أمكنت فيه مسرة ساعة ** تولت كمر الطرف واستخلفت حزنا

إلى تبعات في المعاد وموقف ** نود لديه أننا لم نكن كنا

حصلنا على هم وإثم وحسرة ** وفات الذي كنا نلذ به عنا

كأن الذي كنا نسر بكونه ** إذا حققته النفس لفظ بلا معنى

أن المواعظ قد أفصحت وأعربت، غير أن الزخارف للواحظ قد أدهشت وأعجبت، وإنما تقطع مراحل الجد بالعزم والصبر، ونظر اللبيب المجد إلى آخر الأمر، أو ليس الصحيح بعرض عارض الأسقام والأوصاب؟ أوما المسرور بالعرض كالغرض لسهام المصاب؟ أو ما يكفي من الزواجر؟ كف كف الأحداث مبسوط الأمل، أما يشفى من البيان؟ عيان الأعيان. في الأجداث خالين بالعمل أين من فاق قمم الشرف؟ فعزل وولى، أما ذاق ألم المنصرف؟ فنزل وولى أين من نشا، في علي ونهى وندى؟ سلب ولم يشأ، حلى ولهى وجدى، أين المسرور بشهوات أمسه، حزن، أين المغرور بلذات نفسه غبن:
فيا آملًا أن يخلد الدهر كله ** سل الدهر عن عاد وعن أختها إرم

إذا ما رأت الشيء يبليه عمره ** ويفنيه أن يبقى ففي دائه عقم

يروح ويغدو وهو من موت غبطة ** وموت فناء بين فكين من جلم

تحد لنا أيدي الزمان شفاره ** ونرتع في أكلائه رتعة النعم

نراع إذا ما الموت صاح فنرعوي ** وإن لم يصح يومًا براتعنا خضم

ألا إن بالأبصار عن عبرة عمى ** ألا إن بالأسماع عن عظة صمم

سيكشف عن قلب الغبي غطاؤه ** إذا حتفه يومًا على صدره جثم

يا معتقدًا دار القلعة قلعة، أما تراها تميد بسكانها، والشاهد ما يشاهد عواصف الحوادث تنسف جمال المقتنى، ومعاول الزمان تهدم مشيد المبتنى، وكلما ارتفع كثيب أمل وهال انهال، يا مهلكًا نفسه التي لا قيمة لها لأجل دينا لا وقع لها، إلى كم هذا الحرص؟ وما تنال غير المقدور، أما رأيت مرزوقًا لا يتعب؟ ومتعبًا لا يرزق. هذا موسى في تقلقل {أرني} وما أري، ومحمد يزعج عن منامه. وما طلب (قضاها لغيري وابتلاني بحبها) واعجبًا يطلب موسى التجلي، فيمنع ويرزق الجبل.
أراك الحمى قل لي بأي وسيلة ** توسلت حتى قبلتك ثغورها

لقد أنضى الحرص مطية عمرك، وما وصلت بلد الأمل، لو قنعت الذبابة بطرف ظرف العسل ما تلفت، لو عرفت قيمة نفسها رخصت أو غلت ما أوغلت، شقايق اللذة. تروق بصر الحس، وسن العواقب تضحك من المغرور، يا دني الهمة أعجبتك خضرة على مزبلة، فكيف لو رأيت فردوس الملك؟ قنعت بخسايس الحشايش والرياض معشبة بين يديك، تقدم بالرياضة خطوات وقد وصلت.
الغور يا ركابنا الغور إذن ** أن صدق الرايد في هذا الخبر

وإن حننت للحمى وروضه ** فبالغضا ماء وروضات أخر

الهمم تتفاوت في جميع الحيوانات، العنكبوت من حين يولد ينسج لنفسه بيتًا ولا يقبل منة الأم، والحية تطلب ما حفره غيرها. إذ طبعها الظلم، الغراب يتبع الجيف، والأسد لا يأكل البايت، الكلب ينضنض لترمى له لقمة، والفيل يتملق حتى يأكل، للصيد كلاب، وللمدبغة كلاب، أين الأنفة؟ النحل يغضب فيترضى من لجاج، والخنفساء تطرد فتعود، الاختبار يظهر جواهر الرجال، بعثت بلقيس إلى سليمان هدية لتسبر بها قدر همته، فإن رأتها قاصرة، علمت أنها لا تصلح للمعاشرة، وإن رأتها عالية تطلب ما هو أعلى، تيقنت أنه يصلح.
يا هذا الدنيا هدية بلقيس فهل تقبلها؟ أو تطلب ما هو أنفس. ويحك أحسن ما في الدنيا قبيح، لأنه يشغل عما هو أحسن منه، أترى؟ لو ابتليناك بترك عظيم كيف كنت تفعل؟ إنما رددناك عن دنس، ومنعناك من كدر، ثم ما علمت أن الثواب على قدر المشقة، ويحك إن الأرباح الكثيرة في الأسفار البعيدة، الصبر والهوى ضرتان فاختر إحدى الضرتين، فما يمكن الجمع من دام به الخمار. في ديار الهوى، لم يفتح عينيه إلا في منازل البلى، من غرق بنهر المعلى طفا تحت البلد، واعجبًا، اعدم نظر العقل بمرة؟ أو بعينه رمد، لو قيل لك ارم ثوبك على هدف مرمى لم تفعل إشفاقًا عليه، وهذا دينك في عرض عرضك، قد تمزق من نبل الهوى، لو قيل: زد في النفقه خفت على المال وقد حفت في إنفاق العمر على معشوق البطالة، رميت يوسف قلبك في جب الهوى، وجئت على قميص الأمانة بدم كذب، ويحك! كلما أوغلت في الهوى زاد التعرقل. ويحك! ما يساوي النصاب المسروق قطع اليد. مجلسنا بحر، والفكر غواص يستخرج الدر، ومراكب القلوب تسير إلى بلد الوصل، وأنت تقف على الساحل {وترى الفلك مواخر فيه} إن قعر جهنم لبعيد، ولكن همتك أسفل منه، خنقنا دخان التخويف، افتحوا للرواح:
إلى كم عتاب يسد الفضا ** سلام عليكم مضى ما مضى